آثار الصور النمطية في نمط حياة مجتمعات الجزيرة السورية

زوزان حسن 

Also available in English

Bi Kurdî jî peyda dibe

ܗܘܢܐ ܡܠܠܘܐ ܐܝܬܼܝܐ ܐܦ ܒܠܫܢܐ ܣܪܝܝܐ

Նյութը հասանելի է նաև հայերենով

تم إنتاج هذه المادة ضمن إطار مشروع «خلونا نتعرف»، الذي يهدف إلى تصحيح المفاهيم المغلوطة وتبديد الصور النمطيّة المنتشرة حول مجتمعات شمال شرق سوريا.

على الرغم من التنوّع الذي تتميّز به مناطق شمال شرق سوريا، باحتضانها مجتمعاتٍ مختلفة عرقياً ودينياً، إلّا أن وجودها في بقعة جغرافية واحدة، لم يتم استثماره بالشكل الأمثل نحو تعزيز المعرفة فيما بينها لأسباب عدّة، وكانت الفجوة المعرفية بينها في ازدياد، مما أدّى إلى تشكّل صور نمطية وأفكار مغلوطة متبادلة بين أبناء وبنات هذه المجتمعات. 

اتخذت الصور النمطيّة والأفكار المغلوطة أشكالاً تعبيرية عدّة في توصيف هذه المجتمعات حسب انتماءاتها العرقية أو الدينية، أو حتى السياسية. وإن كانت تحمل في بعض تعبيراتها معانٍ إيجابية، إلا أن هذه الصور النمطية والأفكار المغلوطة قد تشكل خطراً في رسم العلاقات فيما بين هذه المجتمعات، خاصةً تلك التي تدفع بالمجتمعات نحو الانطواء على نفسها أو الانعزال عن الأخرى، الأمر الذي من شأنه أن يشكّل خطراً على حالة التماسك المجتمعي القائمة. 

وتُعتبر منطقة الجزيرة بشمال شرق سوريا نموذجاً للتنوّع، وذلك بوجود مزيج من المجتمعات الدينية من إسلام ومسيحية وأيزيدية وغيرها، إلى جانب وجود مجتمعات عرقية من كُرد وعرب وسريان وآشور وأرمن وغيرها، وعلى الرغم من هذا التنوّع الذي يبرز تعايشاً على مرّ سنوات طويلة، إلّا أن الكثير من المفاهيم الخاطئة والصور النمطية المتبادلة تنتشر فيما بينها، دون أن يكون هناك تعمق في مضامينها وخلفيات كلٍّ منها، كما لو أنها باتت قاعدة ثابتة.

كيف تغذّت مجتمعات شمال شرق سوريا بالصور النمطية؟ وماذا خلّفت من عواقب؟

قد تساهم أسباب عديدة في ظهور صورة نمطية ما أو مفهوم خاطئ عن مجتمع بعينه، إذ قد يكون مكتسباً من التنشئة الأسرية أو من الإعلام، أو قد تشكلت نتيجة الوقائع التاريخية التي تعرّضت لها بعض هذه المجتمعات خلال فترات زمنية سابقة، وتسبّبت بتداعياتٍ طويلة الأمد، ورسمت شكل العلاقة بين أبناء وبنات المجتمع الواحد، أو بين المجتمعات المتجاورة.

في هذا الصدد، أطلقت منظّمة نيكستيب مؤخّراً، مشروعاً يحمل اسم “خلونا نتعرف”، وذلك بالتزامن مع اليوم العالمي للتسامح الذي يوافق 16 تشرين الثاني/نوفمبر، واستهدفت نيكستيب خمسة مجتمعات أساسية في مناطق شمال شرق سوريا هي الأيزيديين/ات، والسريان، والأرمن، والعرب، والكُرد.

ويعمل المشروع على معالجة الأفكار المغلوطة والمفاهيم الخاطئة المنتشرة حول مجتمعات شمال شرق سوريا، وذلك بهدف تعزيز التماسك المجتمعي، كخطوة نحو بناء السلام في شمال شرق سوريا. 

وعقدت المنظّمة، ضمن المشروع، سلسلة ورشات عمل حوارية، نوقشت خلالها أبرز الأسباب التي أدت إلى ضعف معرفة المجتمعات ببعضها، ولُخّصت النتائج بعوامل عديدة منها، السّياسات التي اتّبعتها الحكومة السورية لإقصاء معظم مجتمعات المنطقة، إلى جانب دور العامل الديني، وكذلك المظالم التي تعرّضت لها مجتمعات المنطقة، والتنشئة الأسريّة، بالإضافة إلى الدور السلبي لبعض رجال الدين، والمناهج التعليميّة التي لم تساهم في التعريف بمجتمعات المنطقة.

أدّت سياسة “فرّق تسد” التي انتهجتها الحكومات المتعاقبة على مدار مئة عام، إلى خلق انقسامات بين مجتمعات المنطقة، بحسب كوهار خجادوريان، الرئيسة المشتركة للمجلس الاجتماعي الأرمني.

كما ترى كوهار أن “المظالم التاريخية التي تعرّضت لها بعض هذه المجتمعات” لعبت دوراً في خلق التباعد بين تلك المختلفة دينياً وعرقيّاً، وأدت لانعزالها على نفسها، وذلك بسبب غياب الثقة بالآخر/ الأخرى، على حد وصفها. 

من جهته، يرى الناشط السياسي عامر الشيخ هلوش، أن سوريا لم تحظَ بخطاب وطني جامع، ما دفع بكل مجتمع أن ينغلق على نفسه، لكن على الرغم من ذلك، ونتيجةً للموروث الثقافي لدى سكان/ساكنات المنطقة، لم تنفلت زمام الأمور سابقاً، فقد شكّل بعض رجال الدين ووجهاء العشائر والمثقفين/ات، صمّام سلمٍ لإدارة التنوّع بأدنى الخسائر، على حد قوله. 

أمّا فيما يتعلّق بالتباعد بين مجتمعات منطقة الجزيرة بشمال شرق سوريا، يقول عامر إن طبيعة المنطقة سابقاً، وغياب الإعلام فيها على عكس المدن الكبيرة في سوريا، كانت سبباً لعدم حدوث التمازج بين هذه المجتمعات.

دور وسائل الإعلام والدراما في تشكّل الصور النمطيّة أو تبديدها حول مجتمعات المنطقة

تؤثر كلّ من وسائل الإعلام والدراما، بصورة مباشرة أو غير مباشرة في تكوين آراء وتصورات الناس حول المجتمعات المتعايشة في منطقة واحدة، حيث تتشكل الصور النمطية السلبية أو المفاهيم المغلوطة عبر التركيز على مفاهيم معينة، وترسيخها داخل المجتمع، أو عبر تهميش بعض فئات المجتمع دون التطرق لمعتقداتها أو ثقافتها.

ووفقاً لرأي الإعلامية سيماف حسن، فإن وسائل الإعلام لم تتناول مواضيع حرجة أو حساسة بصورةٍ تزيد الوعي، بل بقيت تغطيتها ضمن دائرة “كلنا بنحب بعض”، دون التطرّق لجذور تلك المحبة، حيث إن لكل مجتمع من مجتمعات منطقة الجزيرة، تاريخ مختلف عن الآخر، وكل مجتمع تعرّض لإبادات مختلفة لا زالت آثاره حاضرة.

وإلى جانب الإعلام، فقد قدّمت الدراما السورية أمثلة عن واقع وحياة المجتمعات السورية، وفي ظل الكم الهائل من الأعمال التلفزيونية والتي باتت متاحة في هذا العصر بشكل أكبر لكافة الفئات العمرية، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، يستمد/تستمد المتلقين/ات قِيَماً ومفاهيماً تستقر في أذهانهم/ن لفترات طويلة.

وفي هذا السياق، تقول روشنك سليمان من ساكنات مدينة قامشلي، إن الإعلام والدراما تحكمتا في المنظومة المعرفية للناس، وبسبب الطريقة النمطية لتصوير الواقع وتفسيره، ومع تجاهل غالبية مجتمعات الجزيرة وتناولها على الهامش وبشكل نمطي، فعلى سبيل المثال، حتى الآن يقوم صنّاع/صانعات الدراما بتصوير مجتمعات الجزيرة بأنها تعمل في الزراعة والرعي فقط، دون الالتفات إلى التطوّر الذي شهدته المنطقة على مر السنين، الأمر الذي تسبّب بانتشار صور نمطية وأخرى غير مكتملة عن مجتمعات المنطقة، بحسب روشنك. 

وفي سياق متّصل، يرى جالينوس عيسى الإداري في فضائية سورويو، أن التحيز الإعلامي لمجتمع معين، يُخلق لدى المجتمعات الأخرى شعوراً بالتهميش والإقصاء، وأنها لا تملك الحق في التمتع بثقافتها وحضارتها، وذلك ما ساهم بتشكيل صور نمطية غير دقيقة ومفاهيم خاطئة.

ويتابع القول أنه نتج عن ضعف معرفة المجتمعات أفكار ومعتقدات خاطئة ظلت سائدة دون البحث أو التقصّي عن خلفيّاتها، فعلى سبيل المثال، وخلافاً للاعتقاد السائد بأن مجتمَعَيّ السريان والأرمن كانت لديهما امتيازات دوناً عن باقي المجتمعات، خاصّة في مجال التعلم بلغتهما، في حين أن الكثير منهم/ن لا يزالون/يزلن غير متقنين/ات للغتهم/ن الأم، موضّحاً أن الحكومة السورية كانت تطلق على اللغة السريانية واللغة الأرمنية مصطلح “الطقسية”، وسمحت بتدريسها بشكل محدود بحيث لا يمكن لأبناء وبنات المجتمَعَين التعرف على ثقافتهم/ن وتاريخهم/ن بالشكل المطلوب.

 تبديد التنميط خطوة نحو بناء السلام

لعل أفضل السبل لتبديد الصور النمطيّة المنتشرة حول مجتمعات شمال شرق سوريا، هي وضع أسس جديدة للتعليم والمؤسّسات التعليمية، وذلك من خلال مناهج تعليمية تساهم في إظهار أهمية وجمالية التنوّع، والتعرف على الآخر/الأخرى، بحسب الكاتب فارس عثمان. 

في حين ترى سيماف حسن أنه يقع على عاتق المجتمعات نفسها، بذل الجهود والبدء من النفس للوصول إلى تصحيح المفاهيم المغلوطة التي يُعتبر الجهل هو أساس البناء عليها. 

من جهته، يرى جالينوس عيسى أن العمل من أجل بناء السلام يجب أن يكون مشتركاً بين كلّ من الإعلام ومنظمات المجتمع وعلى الصعيد الحكومي كذلك، وعلى الأخيرة أن تسنّ القوانين وتطبّقها بشكل فعليّ وأن تتيح المجال لذوي/ذوات الخبرة، لوضع أسس التوعية بشكل مدروس نحو تحقيق نتائج فعلية.

 في السياق ذاته، توضح روشنك أنه مع التطور الحاصل في وسائل التواصل الاجتماعي وتلقّي الناس لكميّة ضخمة من المعلومات والصور بشكل يوميّ، يحتّم على وسائل الإعلام توفير خطاب أكثر دقة وشامل لكل أطياف المجتمع.

إن خلق مساحات للحوار بين أبناء وبنات مجتمعات شمال شرق سوريا حول قضايا اعتُبرت خطوطاً حمراء على مدار سنوات طويلة، خطوةٌ نحو ترسيخ ثقافة تقبّل الآخر/الأخرى والاحتفاء به/ها، لذا فإن تطوير المجتمع بما يخدم الوصول إلى سلام مستدام، يحتاج إلى تجاوز حاجز الأفكار المغلوطة والصور النمطية المتبادلة بين هذه المجتمعات.

مشاركة:

علق تعليق