Also available in English
Bi Kurdî jî peyda dibe
كانيوار مزهر
أُنتج هذا العمل بدعمٍ مالي من الاتحاد الأوروبي، أمّا المواد الواردة فيه، فهي لا تعكس بالضرورة آراء الاتحاد الأوروبي، كما أنّها مسؤولية كانيوار مزهر وحده، والذي أعدّ المادة لصالح الشراكة بين منظمة نيكستيب وراديو ولات إف إم.
في الطريق المؤدي إلى منزله الجديد، يجد “لوند” يومياً، حفراً مليئة بالمياه؛ المياه التي كانت سبباً في نزوحه من مسقط رأسه في الحسكة, في مشهدٍ لم يألفه قبل نزوحه إلى مدينة القامشلي، وبات يذكّره بالمعاناة التي هاجر داخلياً بسببها.
بتنهيدةٍ كبيرة، بدأ لوند داوي (33 عاماً) حديثه، لـ إذاعة ولات إف إم، عن الأسباب التي دفعته للنزوح من مدينة الحسكة قبل سبعة أشهر، “لم أكن أرغب في المغادرة لشدة تعلّقي بمدينتي، ولكن سوء الوضع المعيشي والخدمي وفي مقدمته أزمة المياه، التي باتت تنقطع بشكل متكرر ولفترات طويلة، إلى جانب مياه الصهاريج الملوّثة التي تعتبر حلّاً بديلاً في ظل انقطاع المياه الرئيسية.. مجمل هذه الأسباب، دفعتني مُرغَماً إلى النزوح”
لعل السبب الأهم في انتقال لوند للاستقرار في مدينة أخرى، كان خوفه وزوجته من إصابة طفلهما بعدوى جرثومية، نتيجة المياه الملوثة التي كانوا يشربونها, حيث كان يضطر لشراء مياه معدنية معقمة لعائلته، ينقلها معه من القامشلي حيث يعمل، إلى الحسكة حيث يقيم، إلى جانب خوفه على والدته التي تعاني من مرض خاص بالكلى، والذي قد يتفاقم مع استمرار استخدام مياه غير صالحة للشرب، كما أن الحل البديل من شراء المياه المعقمة، كلّفه عبئاً مالياً إضافياً، وفق قوله.
اعتمد “لوند”، كغيره من سكان المدينة، في تأمين احتياجاته من المياه، عبر شرائه من أصحاب الصهاريج، لكن تلك الصهاريج كانت مخصصة سابقاً لنقل المواد البترولية، لذا فقد ازدادت نسبة التلوث فيها، فضلاً عن تلوث مصادر المياه البديلة، الأمر الذي بات يشكّل تهديداً حقيقياً على الصحة العامة له ولعائلته.
ونتيجة استخدام الأهالي المستمر لهذه المياه، انتشرت العديد من الأمراض بين سكان/ساكنات المدينة، ولاسيّما الأطفال منهم/ن، وكشفت وسائل إعلام محلية, أنه خلال شهر حزيران/يونيو الماضي, كان “مشفى الشعب” في مدينة الحسكة يستقبل يومياً مائة حالة مصابة بالتسمم والالتهابات, وأعراض الإسهال، وسط ارتفاع كبير في درجات الحرارة، بسبب الاعتماد على مصادر مياه غير آمنة.
ويعاني الأهالي في مدينة الحسكة من أزمة مياه، منذ آب/أغسطس من العام 2020, وذلك بعد سيطرة تركيا والفصائل السورية الموالية لها على مدينة سري كانيه/رأس العين في تشرين الأول/أكتوبر من العام 2019، والتي تضم محطة علوك، المصدر الرئيسي لمياه الشرب لمدينة الحسكة وريفها، حيث وجّهت منظمة “هيومن رايتس ووتش“, اتهامات لتركيا بالإضرار المتعمد بالسكان/الساكنات المدنيين/ات في شرق الفرات، وقطع مياه الشرب عنهم/ن, الأمر الذي هدد بزيادة تفشي وباء كورونا، في حين تنفي تركيا هذه الاتهامات، وتقول إن محطة علوك تعمل بالطاقة الكهربائية القادمة من سد تشرين الواقع تحت سيطرة الإدارة الذاتية, وأن الأخيرة تقوم بقطع التيار بشكل متكرر ومقصود منذ تشرين الثاني/نوفمبر 2019.
الحصول على المياه عبر الصهاريج، لم يكن أمراً سهلاً أيضاُ, لأنه يتوجب على الأهالي حجز الدور مسبقاً، والقيام بعشرات المحاولات، للحصول على صهريج ماء، بحسب لوند الذي يصف أزمة المياه بـ “المُرهِقة”, وذلك بسبب عدم انتظام مواعيد ضخ المياه من محطة علوك، الأمر الذي كان يجعله في حالة انتظار دائم، بهدف الحصول على كفايته من المياه عند ضخّها إلى المدينة, والأمر المرهق بشكل أكبر، هو وصول المياه في أكثر الأحيان خلال ساعات الفجر المترافق بانقطاع التيار الكهربائي, فإن لم يتمكن من الحصول على المياه في هذا الوقت، سيضطر للانتظار أسبوعاً آخر إلى حين الضخ من جديد، أو اللجوء لشراء المياه من الصهاريج.
أزمة المياه هذه، دفعت “لوند” والكثير/ات من أبناء/بنات المدينة لتركها، متجهين/ات إلى قرىً ومدن تتوفر فيها المياه بشكل أفضل، هرباً من معاناة باتت تستنزف حيواتهم/ن وتصيبها بالشلل.
وكحلول إسعافية بديلة لمد الأهالي بالمياه، أطلقت مديرية المياه العامة التابعة للإدارة الذاتية في بداية العام الفائت, عدّة مشاريع لاستجرار المياه إلى مدينة الحسكة، من بينها مشروع استجرار مياه نهر الفرات من ريف مدينة دير الزور، والمشروع بحسب بيان صادر عن مديرية المياه، يهدف إلى استجرار مياه الفرات من محطة “صور” شرقي دير الزور، إلى محطة الشدادي بريف الحسكة، والضخ منها إلى محطة مياه منطقة الـ”47″، ومنها إلى داخل الحسكة، حيث صرّح مسؤولون في الإدارة الذاتية لوسائل إعلامية، أن المشروع سيغطي حوالي (20%) من حاجة الحسكة من المياه، ولا يمكن اعتباره بديلاً عن محطة علوك، لكنه يأتي كحل لتخفيف أزمة المياه.
لا يختلف الحال لدى “شيندا حسين” (38 عاماً), التي نزحت مع أسرتها من مدينة الحسكة إلى عامودا, بعد تفاقم أزمة المياه فيها, وبعد شهرٍ من النزوح، وبسبب ارتباط والدها الشديد بحيّهم/ن القديم, وعدم قدرته على التأقلم في مكان آخر, اضطرت “شيندا” للعودة مع عائلتها إلى الحسكة, ومواجهة أزمة المياه مجدداً.
هاجس النزوح والهجرة لم يفارق “شيندا” وغيرها من سكان المدينة, والعديد من العوائل تشتتَ شملها نتيجة أزمة المياه, فالعديد منهم/ن فارق/ن فرد من العائلة, أو صديق/ة مقرب/ة, كما حصل مع “شيندا” حيث نزح كل من عمّها وصديقتها المقربة إلى مدينة القامشلي، بعد عجزهم/ن على التأقلم مع أزمة المياه في الحسكة.
تتمالك “شيندا” نفسها عن البكاء، وتقول لولات إف إم عبر تطبيق الواتس آب “إنه لشعور مؤلم عندما تتسبب أزمة المياه بابتعاد فرد من العائلة، أو صديق/ة مقرّب/ة؛ أبي حزين على نزوح عمي إلى القامشلي، وأنا افتقد صديقتي بشدة”.
ترقّب واستنفار مع كلّ ضخّ للمياه
تروي “شيندا” حالة الحيّ الذي تقطنه، مع بدء ضخّ المياه إليه في كل مرة, وتقول “عندما يحين موعد الضخّ لحيّنا, نوقف جميع أعمالنا, ونترقب لحظة وصول المياه, وفور وصولها, تبدأ حالة الاستنفار بين ساكنيّ/ات الحيّ، من الصغير إلى الكبير, إلى جانب الذين/ اللواتي يبادرون/ن بإعلام بعضهم/ن البعض عبر صفحات ومواقع التواصل الاجتماعي”.
العلاقات الاجتماعية لم تسلم أيضاً من تبعات أزمة المياه, إذ أوضحت “شيندا” أنهم/ن يضطرون/تضطررن أحياناً إلى الاعتذار عن القيام ببعض الواجبات الاجتماعية, كونها تتصادف مع موعد وصول ضخّ المياه إلى الحيّ, لئلا يضطروا/ تضطررن لانتظار أسبوع آخر إلى حين موعد الضخّ القادم، كما أن أزمة المياه تسبب لهم/ن حالة من الإحراج، وذلك عند قدوم زوار/زائرات من خارج المدينة, وذلك بسبب قلة المياه في منازلهم/ن.
وقد تتسبب أزمة المياه بحدوث بعض المشاكل على صعيد العائلة نفسها, كما حدث مع والدَيّ “شيندا” حيث أشارت إلى حدوث الخلافات بين والديها, بسبب استمرار أزمة المياه في المدينة، وكل هذه الأمور تؤثر على حالتها النفسية, الأمر الذي يجعلها تفكر بالنزوح مجدداّ بشكل يومي. الحلول التي وضعتها الإدارة الذاتية لأزمة المياه، لم تكن كافيةً بحسب وجهة نظر كل من لوند وشيندا، نظراً لكونها حلول مؤقتة وإسعافية, ولم تسهم في حل أزمة المياه بشكل مستدام, لذا طالبا الإدارة الذاتية, بإيجاد حلول جذرية ومستدامة مثل التعاون الجدّي بينها وبين المنظمات الإنسانية العاملة في المنطقة، بهدف إطلاق مشاريع من شأنها إنهاء أزمة المياه في الحسكة وريفها, والتوصل إلى صيغة توافقية لتحييد محطة علوك عن الصراعات السياسية.